الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
وأما اعتقاد بعض الجهال أن به [الأربعين الأبدال]، فهذا جهل وضلال، ما اجتمع به الأبدال الأربعون قط، ولا هذا مشروع لهم، ولا فائدة في ذلك، واعتقاد جهال الجمهور هذا يشبه اعتقاد الرافضة في الخليفة الحجة صاحب الزمان عندهم، الذى يقولون: إنه غائب عن الأبصار، حاضر في الأمصار. ويعظمون قدره، ويرجون بركته. وهو معدوم لا حقيقة له، فكل من علق دينه بالمجهولات، وأعرض عما بعث اللّه به نبيه من الهدى ودين الحق، فهو من أهل الضلال الخارج عن شريعة الإسلام، بل فيه في هذه الأوقات المتأخرة أهل الضلال من النصارى، والنصيرية، والرافضة، الذين غزاهم المسلمون. وكذلك قول كثير من الجهال وأهل الإفك والمحال: أن به أو بغيره [رجال الغيب]، وتعظيمهم لهؤلاء هو نوع من الضلال الذى استحوذوا به على الجهال، من الأتراك والأعراب، والفلاحين، والعامة، أضلوهم بذلك عن حقيقة الدين، وأكلوا به أموالهم بالباطل، كما قال تعالى: ولم يكن من أنبياء اللّه وأوليائه من كان غائب الجسد عن أبصار الناس، ولكن كثير منهم قد تغيب عن الناس حقيقة قلبه، وما في باطنه من ولاية اللّه، وعظيم العلم والإيمان، والأحوال الزكية، فيكون في الأمصار والمساجد، وبين الناس من يكون من أولياء اللّه وأكثر الناس لا يعلمون حاله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث، أغبر، ذى طِمْرَين، مدفوع بالأبواب: لو أقسم على اللّه لأبره)، أى: قد يكون فيمن تنبو عنه الأبصار لرثاثة حاله من يبر اللّه قسمه، وليس هذا وصفاً لازماً، بل ولاية اللّه هى ما ذكرنا في قوله: وكذلك خبر الرجل الذى نبت الشعر على جميع بدنه كالماعز باطل ومحال. نعم يكون في الضلال من الزهاد من يترك السنة حتى ينبت الشعر ويكثر على جسده، وهذا ينبغى أن يؤمر بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من إحفاء الشوارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، ونحو ذلك. فإن ظن أن غير هدى النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، /أو أن من الأولياء من يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ـ كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام ـ فهذا كافر يجب قتله بعد استتابته؛ لأن موسى ـ عليه السلام ـ لم تكن دعوته عامة، ولم يكن يجب على الخضر اتباع موسى ـ عليهما السلام ـ بل قال الخضر لموسى: إنى على علم من اللّه علمنيه اللّه لا تعلمه، وأنت على علم من اللّه علمكه اللّه لا أعلمه. فأما محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب فهو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين؛ الجن والإنس، عربهم وعجمهم، دانيهم وقاصيهم، ملوكهم ورعيتهم، زهادهم وغير زهادهم. قال اللّه تعالى: ويجب التفريق بين العبادات الإسلامية الإيمانية النبوية الشرعية التى/ يحبها اللّه ورسوله وعباده المؤمنون، وبين العبادات البدعية الضلالية الجاهلية التى قال اللّه فيها: وإذا عرف هذا، فكل ما ذكر من الانحناء للجبل المذكور ونحوه، أو لمن فيه، أو زيارته بلا قصد للجهاد، أو لأمر مشروع، فهو من الجهالات والضلالات. وكذلك التبرك بما يحمل منه من الثمار هو من /البدع الجاهلية المضاهية للضلالات النصرانية والشركية، وقد جاء في الحديث المعروف: أن بصرة بن أبي بصرة الغفارى رأى أبا هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ وقد سافر إلى الطور الذى كلم اللّه موسى عليه ـ فقال: لو رأيتك قبل أن تذهب إليه لم أدعك تذهب إليه؛ لأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا). فإذا كان السفر لزيارة الطور ـ الذى كلم اللّه عليه موسى، وسماه [الوادى المقدس]، و[البقعة المباركة] ـ لا يشرع، فكيف بالسفر لزيارة غيره من الأطوار ؟! فإن [الطور] هو الجبل، والأطوار الجبال. وأما القبر المشهور في سفحه بالكرك الذى يقال: إنه [قبر نوح] فهو باطل محال، لم يقل أحد ممن له علم ومعرفة: إن هذا قبر نوح، ولا قبر أحد من الأنبياء أو الصالحين، ولا كان لهذا القبر ذكر ولا خبر أصلا، بل كان ذلك المكان حاكورة يزرع فيها، ويكون بها الحاكة إلى مدة قريبة. رأوا هناك قبراً فيه عظم كبير، وشموا فيه رائحة، فظن الجهلاء أنه لأجل تلك الرائحة يكون قبر نبي. وقالوا: من كان من الأنبياء كبيراً؟ فقالوا: نوح. فقالوا: هو قبر نوح، وبنوا عليه في دولة الرافضة الذين كانوا مع الناصر صاحب حلب ذلك القبر، وزيد بعد ذلك في دولة الظاهر، فصار وثنا يشرك به الجاهلون، /وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اللّه حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء). فلو كان قبر نبي لم يتجرد العظم. وقد حدثنى من ثقات أهل المكان عن آبائهم من ذكر: أنهم رأوا تلك العظام الكبيرة فيه، وشاهدوه قبل ذلك مكاناً للزرع والحياكة. وحدثنى من الثقات من شاهد في المقابر القريبة منه رؤوساً عظيمة جداً تناسب تلك العظام، فعلم أن هذا وأمثاله من عظام العمالقة، الذين كانوا في الزمن القديم أو نحوهم. ولو كان قبر نبي أو رجل صالح لم يشرع أن يبنى عليه مسجد بإجماع المسلمين، وبسنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه، كما قال في الصحاح: (لعن اللّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقال: (إن من كان قبلكم كانوا يتحذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإنى أنهاكم عن ذلك). ولا تستحب الصلاة، لا الفرض ولا النفل، عند قبر نبي ولا غيره بإجماع المسلمين، بل ينهى عنه، وكثير من العلماء يقول: هى باطلة؛لما ورد في ذلك من النصوص، وإنما البقاع التى يحبها اللّه ويحب الصلاة والعبادة فيها هى المساجد التى قال اللّه فيها: فدين الإسلام هو اتباع ما بعث اللّه به رسوله من أنواع المحبوبات، واجتناب ما كرهه اللّه ورسوله من البدع والضلالات، وأنواع المنهيات. فالعبادات الإسلامية، مثل الصلوات المشروعة، والجماعات، والجمعات، وقراءة القرآن، وذكر اللّه الذى شرعه لعباده المؤمنين، ودعائه، وما يتبع ذلك من أحوال القلوب، وأعمال الأبدان، وكذلك أنواع الزكوات؛ من الصدقات، وسائر الإحسان إلى الخلق، فإن كل معروف صدقة، وكذلك سائر العبادات المشروعة، فنسأل اللّه العظيم أن يثبتنا عليها وسائر إخواننا المؤمنين، واللّه سبحانه أعلم.
/ فأجاب: للّه رب العالمين،الدين الذى بعث اللّه به رسله/وأنزل به كتبه هو عبادة اللّه وحده لا شريك له، واستعانته، والتوكل عليه، ودعاؤه لجلب المنافع، ودفع المضار، كما قال تعالى: وقال تعالى: وذلك أن من يدعون من دونه، إما أن يكون مالكا، وإما ألا يكون مالكا، وإذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا، وإما ألا يكون شريكا، وإذا لم يكن شريكا فإما أن يكون معاوناً، وإما أن يكون سائلا طالباً. فالأقسام الأول الثلاثة وهى: الملك، والشركة والمعاونة منتفية، وأما الرابع فلا يكون إلا من بعد إذنه، كما قال تعالى: وتفصيل القول: أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التى لا يقدر عليها إلا اللّه تعالى؛ مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، وغفران ذنبه، أو دخوله الجنة أو نجاته من النار، أو أن يتعلم العلم والقرآن، أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكى نفسه، وأمثال ذلك ـ فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من اللّه تعالى، ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ ـ سواء كان حياً أو ميتاً ـ: اغفر ذنبي، ولا انصرنى على عدوى، ولا اشف مريضى، ولا عافنى أو عاف أهلى أو دابتى،/وما أشبه ذلك. ومن سأل ذلك مخلوقا كائناً من كان، فهو مشرك بربه، من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التى يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه، قال اللّه تعالى: وأما ما يقدر عليه العبد فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهيا عنها، قال اللّه تعالى: ومن المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، وطلبنا الوسيلة له، وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك، فقال في الحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على، فـإن مـن صلى عليَّ مـرة صلى اللّه عليـه عشراً، ثم سلو اللّه لى الوسـيلة، فإنها درجـة في الجنة لا ينبغى أن تكون إلا لعبد مـن عباد اللّه، وأرجـو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل اللّه لى الوسيلة حلت له شفاعتى يوم القيامة). ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه، فقد روى طلب الدعاء من الأعلى والأدنى؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ودع عمر إلى العمرة، وقال: (لا تنسنا من دعائك يا أخى)، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشراً، وأن من سأل له الوسيلة حلَّت له شفاعته يوم القيامة، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط. وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أُوَيْساً القَرَنى وقال لعمر: (إن استطعت أن يستغفر لك فافعل). /وفي الصحيحين أنه كان بين أبي بكر وعمر ـ رضي اللّه عنهما ـ شىء، فقال أبو بكر لعمر: استغفر لى، لكن في الحديث: أن أبا بكر ذكر أنه حنق على عمر. وثبت أن أقواما كانوا يسترقون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقيهم. وثبت في الصحيحين أن الناس لما أجدبوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لهم فدعا اللّه لهم فسقوا. وفي الصحيحين أيضًا: أن عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ استسقى بالعباس فدعا، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. وفي السنن: أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع اللّه لنا، فإنا نستشفع باللّه عليك، وبك على اللّه. فسبح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال:(ويحك ! إن اللّه لا يستشفع به على أحد من خلقه، شأن اللّه أعظم من ذلك). فأقره على قوله: (إنا نستشفع بك على اللّه)، وأنكر عليه: (نستشفع باللّه عليك)؛ لأن الشافع يسأل المشفوع إليه، والعبد يسأل ربه ويستشفع إليه، والرب تعالى لا يسأل العبد ولا يستشفع به. وأما زيارة القبور المشروعة،فهو أن يسلم على الميت ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته،كما كـان النبي صلى الله عليه وسلم / يعلـم أصحابه إذا زاروا القبـور أن يقولـوا: ( سلام عليكم أهـل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء اللّه بكم لاحقون، ويرحم اللّه المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل اللّه لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم). وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد اللّه عليه روحه حتى يرد عليه السلام). واللّه تعالى يثيب الحى إذا دعا للميت المؤمن، كما يثيبه إذا صلى على جنازته؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بالمنافقين، فقال عز من قائل:
وأما من يأتى إلى قبر نبي أو صالح، أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح وليس كذلك، ويسأله ويستنجده فهذا على ثلاث درجات: إحـداها: أن يسألـه حاجتـه، مثـل أن يسأله أن يزيل مرضه، أو مرض دوابه، أو يقضى دينه، أو ينتقم له من عدوه، أو يعافي نفسه وأهله ودوابه، ونحو ذلك مما لا يقدر عليـه إلا اللّه عز وجل، فهذا شرك صريح، يجب أن يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. وإن قال: أنا أسأله لكونه أقرب إلى اللّه منى ليشفع لى في هذه الأمور؛ لأنى أتوسل إلى اللّه به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه، فهذا من أفعال المشركين والنصارى، فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم، وكذلك أخبر اللّه عن المشركين أنهم قالوا: ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة ـ رضي اللّه عنه ـ: (لا يقولن أحـدكم: اللهم اغفـر لى إن شـئت، اللهم ارحمنى إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن اللّه لا مكـره له). فبـين أن الرب ـ سبحانه ـ يفعل ما يشاء لا يكرهه أحد على ما اختـاره، كما قد يكـره الشافـع المشفوع إليه، وكـما يكـره السائـل المسؤول إذا ألح عليه وآذاه بالمـسألة. فالرغـبة يجب أن تكـون إليـه، كما قـال تعـالى: /وقـول كثير مـن الضلال: هذا أقرب إلى اللّه منى، وأنا بعيد من اللّه لا يمكننى أن أدعوه إلا بهذه الواسطة، ونحو ذلك من أقوال المشركين، فإن اللّه تعالى يقول: ثم يقال لهذا المشرك: أنت إذا دعوت هذا، فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك، فهذا جهل وضلال وكفر. وإن كنت تعلم أن اللّه أعلم وأقدر وأرحم، فلم عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره؟ ألا تسمع إلى ما خرجه البخارى وغيره عن جابر ـ رضي اللّه عنه ـ قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: (إذا هَمَّ أحدكم بأمر / فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إنى أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم،فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لى في دينى ومعاشى، وعاقبة أمرى، فاقْدُرْه لى، ويسره لى، ثم بارك لى فيه، وإن كنت تعمل أن هذا الأمر شر لى في دينى، ومعاشى، وعاقبة أمرى، فاصرفه عنى، واصرفنى عنه، واقْدُرْ لى الخير حيث كان، ثم أرْضِنى به ـ قال: ـ ويسمى حاجته). أمر العبد أن يقول: (أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم). وإن كنت تعلم أنه أقرب إلى اللّه منك وأعلى درجة عند اللّه منك فهذا حق؛ لكن كلمة حق أريد بها باطل؛ فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة منك فإنما معناه: أن يثيبه ويعطيه أكثر مما يعطيك، ليس معناه: أنك إذا دعوته كان اللّه يقضى حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعـوت أنت اللّه تعالى، فإنك إن كنت مستحقا للعقاب ورد الدعاء ـ مثلا لما فيه من العدوان ـ فالنبي والصالح لا يعين على ما يكرهه اللّه، ولا يسعى فيما يبغضه اللّه، وإن لم يكن كذلك، فاللّه أولى بالرحمة والقبول. وإن قلت: هذا إذا دعا اللّه أجاب دعاءه أعظم مما يجيبه إذا دعوته، فهذا هو القسم الثانى وهو: ألا تطلب منه الفعل ولا / تدعوه، ولكن تطلب أن يدعو لك. كما تقول للحى: ادع لى، وكما كان الصحابة ـ رضـوان اللّه عليهم ـ يطلبون مـن النبي صلى الله عليه وسلم، الدعاء، فهذا مشروع في الحى كما تقدم، وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول: ادع لنا، ولا اسأل لنا ربك، ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر به أحد من الأئمة، ولا ورد فيه حديث، بل الذى ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر ـ رضي اللّه عنه ـ استسقى بالعباس، وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: يا رسول اللّه، ادع اللّه لنا واستسق لنا، ونحن نشكوا إليك مما أصابنا، ونحو ذلك. لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط، بل هو بدعة، ما أنزل اللّه بها من سلطان،بل كانوا إذا جاؤوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون عليه، فإذا أرادوا الدعاء لم يدعوا اللّه مستقبلى القبر الشريف، بل ينحرفون ويستقبلون القبلة، ويدعون اللّه وحده لا شريك له كما يدعونه في سائر البقاع. وذلك أن في [الموطأ] وغيره عنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد، اشتد غضب اللّه على قوم اتخذوا /قبور أنبيائهم مساجد). وفي السنن عنه أنه قال: (لا تتخذوا قبرى عيداً، وصلُّوا على حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغنى). وفي الصحيح عنه أنه قال في مرضه الذى لم يقم منه: (لعن اللّه اليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ـ يحذر ما فعلوا. قالت عائشة ـ رضي اللّه عنها وعن أبويها: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً. وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال قبل أن يموت بخمس: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإنى أنهاكم عن ذلك). وفي سنن أبي داود عنه قال: (لعن اللّه زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج). ولهذا قال علماؤنا: لا يجوز بناء المسجد على القبور، وقالوا: إنه لا يجوز أن ينذر لقبر، ولا للمجاورين عند القبر شيئاً من الأشياء، لا من درهم، ولا من زيت، ولا من شمع، ولا من حيوان، ولا غير ذلك، كله نذر معصية. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصى اللّه فلا يعصه). واختلف العلماء: هل على الناذر كفارة يمين؟ على قولين؛ ولهذا لم يقل أحد من أئمة السلف: إن الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبة، أو فيها فضيلة،ولا أن/ الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء، بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور ـ قبور الأنبياء والصالحين ـ سواء سميت [مشاهد] أو لم تسم. وقد شرع اللّه ورسوله في المساجد دون المشاهد أشياء، فقال تعالى: وأما القبور فقد ورد نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذها مساجد، ولعن من يفعل ذلك، وقد ذكره غير واحد من الصحابة والتابعين، كما ذكره البخارى في صحيحه والطبرانى وغيره في تفاسيرهم، وذكره وَثِيمَة وغيره في [قصص الأنبياء] في قوله تعالى: واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين ـ الصحابة وأهل البيت وغيرهم ـ أنه لا يتمسح به، ولا يقبله، بل ليس في الدينا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود. وقد ثبت في الصحيحين: أن عمر ـ رضي اللّه عنه ـ قال: واللّه، انى لأعلم أنك حَجَر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلك ما قَبَّلتك. ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة ـ أن يقبل الرجل أو يستلم ركنى البيت ـ اللذين يليان الحجر ولا جدران البيت، ولا مقام إبراهيم، ولا صخرة بيت المقدس، ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين، حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر سيدنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لما كان موجوداً، فكرهه مالك وغيره؛ لأنه بدعة، وذكر أن مالكا لما رأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم، ورخص / فيه أحمد وغيره؛ لأن ابن عمر ـ رضي اللّه عنهما ـ فعله. وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله فكلهم كره ذلك ونهى عنه؛ وذلك لأنهم علموا ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين للّه رب العالمين. وهذا ما يظهر الفرق بين سؤال النبي صلى الله عليه وسلم والرجل الصالح في حياته، وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره، فإذا كان الأنبياء ـ صلوات اللّه عليهم ـ والصالحون أحياء لا يتركون أحداً يشرك بهم بحضورهم، بل ينهونهم عن ذلك، ويعاقبونهم عليه، ولهذا قال المسيح ـ عليه السلام ـ: فهذا مما يبين الفرق بين سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وحضوره، وبين سؤاله في مماته ومغيبه، ولم يكن أحد من سلف الأمة في عصر الصحابة ولا التابعين ولا تابعى التابعين يتحرون الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء ويسألونهم، ولا يستغيثون بهم، لا في مغيبهم، ولا عند قبورهم، وكذلك العكوف. ومن أعظم الشرك أن يستغيث الرجل بميت أو غائب، كما ذكره /السائل، ويستغيث به عند المصائب يقول: يا سيدى فلان، كأنه يطلب منه إزالة ضره أو جلب نفعه، وهذا حال النصارى في المسيح وأمه وأحبارهم ورهبانهم. ومعلوم أن خير الخلق وأكرمهم على اللّه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس بقدره وحقه أصحابه، ولم يكونوا يفعلون شيئاً من ذلك؛ لا في مغيبه، ولا بعد مماته. وهؤلاء المشركون يضمون إلى الشرك الكذب، فإن الكذب مقرون بالشرك، وقد قال تعالى: فمن كذبهم أن أحدهم يقول عن شيخه: إن المريد إذا كان بالمغرب وشيخه بالمشرق وانكشف غطاؤه رده عليه، وإن الشيخ إن لم يكن كذلك لم يكن شيخاً. وقد تغويهم الشياطين، كما تغوى عباد الأصنام كما كان يجرى في العرب في أصناهم، ولعباد الكواكب وطلاسمها من الشرك والسحر، كما يجرى للتتار، والهند، والسودان، وغيرهم من أصناف المشركين؛ من إغواء الشياطين ومخاطبتهم ونحو ذلك. /فكثير من هؤلاء قد يجرى له نوع من ذلك، لا سيما عند سماع المكاء والتصدية؛ فإن الشياطين قد تنزل عليهم، وقد يصيب أحدهم كما يصيب المصروع: من الإرغاء، والإزباد، والصياح المنكر، ويكلمه بما لا يعقل هو والحاضرون، وأمثال ذلك مما يمكن وقوعه في هؤلاء الضالين. وأما القسم الثالث: وهو أن يقول: اللهم بجاه فلان عندك، أو ببركة فلان، أو بحرمة فلان عندك، افعل بى كذا، وكذا. فهذا يفعله كثير من الناس، لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين وسلف الأمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء، ولم يبلغنى عن أحد من العلماء في ذلك ما أحكيه، إلا ما رأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد بن عبد السلام. فإنه أفتى: أنه لا يجوز لأحد أن يفعل ذلك؛ إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ـ إن صح الحديث في النبي صلى الله عليه وسلم. ومعنى الاستفتاء: قد روى النسائى والترمذى وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بعض أصحابه أن يدعو فيقول: (اللهم إنى أسألك وأتوسل إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد، يا رسول اللّه، إنى أتوسل بك إلى ربى في حاجتى ليقضيها لى. اللهم، فشفعه في). فإن هذا الحديث قد استدل به طائفة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته. قالوا: وليس في التوسل دعاء / المخلوقين، ولا استغاثة بالمخلوق، وإنما هو دعاء واستغاثة باللّه، لكن فيه سؤال بجاهه، كما في سنن ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في دعاء الخارج للصلاة أن يقول: (اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا، فإنى لم أخرج أشراً ولا بطرا ً، ولا رياءً ولا سمعةً. خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذنى من النار، وأن تغفر لى ذنوبى، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). قالوا: ففي هذا الحديث أنه سأل بحق السائلين عليه، وبحق ممشاه إلى الصلاة، واللّه تعالى قد جعل على نفسه حقاً، قال اللّه تعالى: وقالت طائفة ليس في هذا جواز التوسل به بعد مماته وفي مغيبه، بل إنما فيه التوسل في حياته بحضوره، كما في صحيح البخارى أن عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ استسقى بالعباس، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجْدَبْنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعَمِّ نبينا فاسقنا، فيسقون. وقد بين عمر بن الخطاب ـ رضي اللّه عنه ـ أنهم كانوا يتوسلون به في حياته فيسقون. وذلك التوسل به أنهم كانوا يسألونه أن يدعو اللّه لهم، فيدعو لهم، ويدعون معه، ويتوسلون بشفاعته ودعائه،كما في الصحيح عن أنس بن مالك ـ رضي اللّه عنه ـ أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان بجوار [دار القضاء]، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول اللّه، قائما، فقال: يا رسول اللّه، هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُل. فادع اللّه لنا أن يمسكها عنا، قال: فرفع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: (اللهم، حوالينا ولا علينا اللهم على الآكَام والظِّرَاب وبُطُون الأودية ومَنَابِت الشجر). قال: وأقلعت فخرجنا نمشى في الشمس، ففي هذا الحديث: أنه قال: ادع اللّه لنا أن يمسكها عنا. وفي الصحيح: أن عبد اللّه بن عمر قال: إنى /لأذكر قول أبي طالب في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حيث يقول: وأبيض يُسْتَسقى الغَمام بوجهه**ثِمَال اليتامى عِصمة للأرامل. فهذا كان توسلهم به في الاستسقاء ونحوه. ولما مات توسلوا بالعباس ـ رضي اللّه عـنه ـ كما كانوا يتوسـلون به ويستسـقون. وما كانوا يستسقون به بعد موته، ولا في مغيبه ولا عنـد قبره ولا عنـد قبر غـيره، وكـذلك معاويـة بن أبي سـفيان اسـتسقى بيزيد ابن الأسود الجُرَشى،وقال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا. يا يزيد، ارفع يديك إلى اللّه، فرفع يديـه، ودعـا، ودَعْوا، فسـقوا. فلذلك قـال العلماء: يستحب أن يسـتسقى بأهل الصلاح والخير، فإذا كانوا من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان أحسن.ولم يذكر أحد من العلماء أنه يشرع التوسل والاستسقاء بالنبي والصالح بعد موته ولا في مغيبه،ولا استحبوا ذلك في الاستسقاء ولا في الاستنصار ولا غير ذلك من الأدعية.والدعاء مُخُّ العبادة. والعبادة مبناها على السنة والاتباع، لا على الأهواء والابتداع، وإنما يعبد اللّه بما شرع، لا يعبد بالأهواء والبدع، قال تعالى: وأما الرجل إذا أصابته نائبة أو خاف شيئا فاستغاث بشيخه، يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع، فهذا من الشرك، وهو من جنس دين النصارى؛ فإن اللّه هو الذى يصيب بالرحمة ويكشف الضر، قال تعالى: فإذا قال قائل: أنا أدعو الشيخ ليكون شفيعا لى، فهو من جنس دعاء النصارى لمريم والأحبار والرهبان. والمؤمن يرجو ربه ويخافه، ويدعوه مخلصا له الدين، وحق شيخه أن يدعو له ويترحم عليه؛ فإن أعظم الخلق / قدرا هو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه أعلم الناس بأمره وقدره، وأطوع الناس له، ولم يكن يأمر أحدا منهم عند الفزع والخوف أن يقول: يا سيدى، يا رسول اللّه، ولم يكونوا يفعلون ذلك في حياته ولا بعد مماته، بل كان يأمرهم بذكر اللّه ودعائه والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، قال اللّه تعالى: وفي مسند الإمام أحمد وصحيح أبي حاتم البستى عن ابن مسعود ـ رضي اللّه عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب عبدًا قط هَمٌّ ولا حَزَن فقال: اللهم إنى عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصِيتى بيدك، ماضٍ في حكمك، عَـدْل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هـو لك سَمَّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو عَلَّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم رَبِيع قلبى، ونور صدرى، وجلاء حُزّنى، وذهاب هَمِّى وغمى، إلا أذهب اللّه همه وغمه،وأبدله مكانه فرحا). قالوا:يا رسول اللّه، أفلا نتعلمهن؟ قال: (ينبغى لمن سمعهن أن يتعلمهن). وقال لأمتـه: (إن الشمس والقمـر آيتان مـن آيات اللّه، لا ينكسفان لمـوت أحـد ولا لحياته، ولكن اللّه يُخَوِّف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، وذِكْر اللّه، والاستغفار). فأمرهم عند الكسوف بالصلاة والدعاء والذكر والعتق والصدقة، ولم يأمرهم أن يدعوا مخلوقا ولا ملكا ولا نبيا ولا غيرهم. ومثل هذا كثير في سنته، لم يشرع للمسلمين عند الخوف إلا ما أمر اللّه به؛ من دعاء اللّه، وذكره والاستغفار، والصلاة، والصدقة، / ونحو ذلك. فكيف يعدل المؤمن باللّه ورسوله عما شرع اللّه ورسوله إلى بدعة ما أنزل اللّه بها من سلطان، تُضَاهى دين المشركين والنصارى؟! فإن زَعَم أحد أن حاجته قضيت بمثل ذلك، وأنه مثل له شيخه ونحو ذلك، فعباد الكواكب والأصنام ونحوهم من أهل الشرك يجرى لهم مثل هذا، كما قد تواتر ذلك عمن مضى من المشركين، وعن المشركين في هذا الزمان. فلولا ذلك ما عبدت الأصنام ونحوها، قال الخليل ـ عليه السلام ـ: ويقال: إن أول ما ظهر الشرك في أرض مكة بعد إبراهيم الخليل من جهة (عمرو بن لُحِىِّ الخزاعى)،الذى رآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر أمعاءه في النار. وهو أول من سَيَّب السوائب، وغَيَّر دين إبراهيم. قالوا: إنه ورد الشام، فوجد فيها أصناما بالبلقاء، يزعمون أنهم ينتفعون بها في جَلْب منافعهم ودفع مضارهم، فنقلها إلى مكة، وسَنَّ للعرب الشرك وعبادة الأصنام. والأمور التى حرمها اللّه ورسوله، من الشرك، والسحر، والقتل، والزنا وشهادة الزور، وشرب الخمر وغير ذلك من المحرمات، قد يكون للنفس فيها حظ مما تعده منفعة، أو دفع مَضَرَّة، ولولا ذ لك ما أقدمت النفوس على المحرمات التى لا خير فيها بحال، وإنما يوقع النفوس في المحرمات الجهل /أو الحاجة. فأما العالم بقبح الشىء والنهى عنه فكيف يفعله؟! والذين يفعلون هذه الأمور جميعها قد يكون عندهم جهل بما فيه من الفساد، وقد تكون بهم حاجة إليها، مثل الشهوة إليها، وقد يكون فيها من الضرر أعظم مما فيها من اللذة ولا يعلمون ذلك لجلهلهم أو تغلبهم أهواؤهم حتى يفعلوها، والهوى غالبا يجعل صاحبه كأنه لا يعلم من الحق شيئا، فإن حبك للشىء يُعْمِى ويُصِمُّ. ولهذا كان العالم يخشى اللّه، وقال أبو العالية: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن قول اللّه عز وجل: وأما التمسح بالقبر ـ أىّ قبر كان ـ وتقبيله، وتمريغ الخد عليه،/ فمنهى عنه باتفاق المسلمين، ولو كان ذلك من قبور الأنبياء، ولم يفعل هذا أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هذا من الشرك، قال اللّه تعالى: وأمـا وضـع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم، أو تقبيل الأرض ونحو ذلك، فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهى عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير اللّه عز وجل منهى عنه. ففي المسند وغيره: أن معاذ بن جبل ـ رضي اللّه عنه ـ لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما هذا يا معاذ؟). فقال: يا رسول اللّه، رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، ويذكرون ذلك عن أنبيائهم، فقال: (كذبوا يا معاذ، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عِظَم حقه عليها، يا معاذ، أرأيت إن مـررت بقبرى أكنت ساجداً؟). قال: لا. قال: (لا تفعل هذا)، أو كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. /بل قد ثبت في الصحيح من حديث جابر: أنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ صلى بأصحابه قاعدًا من مرض كان به، فصلوا قيامًا، فأمرهم بالجلوس، وقال: (لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضًا)، وقال: (من سره أن يتمثل له الناس قيامًا فليتبوأ مقعده من النار). فإذا كان قد نهاهم مع قعوده ـ وإن كانوا قاموا في الصلاة ـ حتى لا يتشبهوا بمن يقومون لعظمائهم، وبين أن من سره القيام له كان من أهل النار فكيف بما فيه من السجود له، ومن وضع الرأس، وتقبيل الأيادي؟! وقد كان عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ وهو خليفة الله على الأرض ـ قد وكل أعوانًا يمنعون الداخل من تقبيل الأرض، ويؤدبهم إذا قبل أحد الأرض. وبالجملة، فالقيام والقعود والركوع والسجود حق للواحد المعبود؛ خالق السموات والأرض، وما كان حقًا خالصًا لله لم يكن لغيره فيه نصيب؛ مثل الحلف بغير الله ـ عز وجل ـ وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت). متفق عليه. وقال أيضًا: (من حلف بغير الله فقد أشرك). فالعبادة كلها لله وحده لا شريك له: ونبينا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نهى عن الشرك دقِّه وجلِّه، وحقيره وكبيره، حتى إنه قد تواتر عنه أنه نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها بألفاظ متنوعة؛ تارة يقول: (لا تَحَرُّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها). وتارة ينهى عن الصلاة بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس. وتارة يذكر أن الشمس إذا طلعت طلعت بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ونهى عن الصلاة في هذا الوقت؛ لما فيه من مشابهة المشركين في كونهم يسجدون للشمس في هذا الوقت، وأن الشيطان يقارن الشمس حينئذ ليكون السجود له، فكيف بما هو أظهر شركًا ومشابهة للمشركين من هذا؟! وقد قال الله تعالى ـ فيما أمر رسوله أن يخاطب به أهل الكتاب ـ: وأما قول القائل: انقضت حاجتي ببركة الله وبركتك. فمنكر من القول؛ فإنه لا يقرن بالله في مثل هذا غيره، حتى إن قائلا قال للنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ما شاء الله وشئت، فقال: (أجعلتني لله نِدّا؟! بل ما شاء الله وحده)، وقال لأصحابه: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد). وفي الحديث: أن بعض المسلمين رأي قائلا يقول: نعم القوم أنتم، لولا أنكم تنددون. أي: تجعلون لله ندًا. يعني: تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فنهاهم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن ذلك. وفي الصحيح عن زيد بن خالد، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر بالحديبية في إثر سَمَاء من الليل، فقال: (أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟). قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب). والأسباب التي جعلها الله أسبابًا لا تجعل مع الله شركاء وأندادًا وأعوانًا. /وقول القائل: ببركة الشيخ، قد يعني بها دعاءه، وأسرعُ الدعاءِ إجابة دعاء غائب لغائب. وقد يعني بها بركة ما أمره به وعلمه من الخير، وقد يعني بها بركة معاونته له على الحق، وموالاته في الدين، ونحو ذلك. وهذه كلها معان صحيحة. وقد يعني بها دعاءه للميت والغائب؛ إذ استقلال الشيخ بذلك التأثير، أو فعله لما هو عاجز عنه، أو غير قادر عليه، أو غير قاصد له متابعته أومطاوعته على ذلك من البدع المنكرات، ونحو هذه المعاني الباطلة. والذي لا ريب فيه أن العمل بطاعة الله تعالى، ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض، ونحو ذلك، هو نافع في الدنيا والآخرة، وذلك بفضل الله ورحمته. وأما سؤال السائل عن [القطب الغوث الفرد الجامع]، فهذا قد يقوله طوائف من الناس، ويفسرونه بأمور باطلة في دين الإسلام؛ مثل تفسير بعضهم: أن [الغوث] هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم، حتى يقول: إن مدد الملائكة وحيتان البحر بواسطته. فهذا من جنس قول النصارى في المسيح ـ عليه السلام ـ والغالية في علي ـ رضي الله عنه. وهذا كفر صريح، يستتاب منه صاحبه، فإن تاب وإلا قتل؛ فإنه ليس من المخلوقات لا ملك ولا بشر يكون إمداد الخلائق بواسطته؛ ولهذا كان ما يقوله الفلاسفة في [العقول العشرة] الذين يزعمون أنها الملائكة، وما يقوله النصارى في المسيح /ونحو ذلك، كفر صريح باتفاق المسلمين. وكذلك عني بالغوث ما يقوله بعضهم: من أن في الأرض ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، يسمونهم [النجباء]، فينتقي منهم سبعون هم [النقباء]، ومنهم أربعون هم [الأبدال]، ومنهم سبعة هم [الأقطاب]، ومنهم أربعة هم [الأوتاد]، ومنهم واحد هو [الغوث]، وأنه مقيم بمكة، وأن أهل الأرض إذا نابهم نائبة في رزقهم ونصرهم فزعوا إلى الثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وأولئك يفزعون إلى السبعين، السبعون إلى الأربعين والأربعون إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الواحد. وبعضهم قد يزيد في هذا وينقص في الأعداد والأسماء والمراتب؛ فإن لهم فيها مقالات متعددة حتى يقول بعضهم: إنه ينزل من السماء على الكعبة ورقة خضراء باسم غوث الوقت، واسم خضره ـ على قول من يقول منهم: إن الخضر هو مرتبة، وإن لكل زمان خضرًا، فإن لهم في ذلك قولين ـ وهذا كله باطل لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا قاله أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا من المشايخ الكبار المتقدمين الذين يصلحون للاقتداء بهم. ومعلوم أن سيدنا رسول رب العالمين وأبا بكر وعمر وعثمان وعلىا ـ رضي الله عنهم ـ كانوا خير الخلق في زمنهم، وكانوا بالمدينة، ولم يكونوا بمكة. وقد روي بعضهم حديثًا في [هلال] غلام المغيرة بن شعبة،/ وأنه أحد السبعة. والحديث باطل باتفاق أهل المعرفة، وإن كان قد روي بعض هذه الأحاديث أبو نعيم في [حلية الأولياء]، والشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في بعض مصنفاته، فلا تغتر بذلك؛ فإن فيه الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، والمكذوب الذي لا خلاف بين العلماء في أنه كذب موضوع. وتارة يرويه على عادة بعض أهل الحديث الذين يروون ما سمعوا ولا يميزون بين صحيحه وباطله، وكان أهل الحديث لا يروون مثل هذه الأحاديث؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال: (من حدث عني بحديث وهو يري أنه كذب فهو أحد الكاذبين). وبالجملة، فقد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بالمسلمين من النوازل، في الرغبة والرهبة؛ مثل دعائهم عند الاستسقاء لنزول الرزق، ودعائهم عند الكسوف، والاعتداد لرفع البلاء، وأمثال ذلك، إنما يدعون في ذلك الله وحده لا شريك له، لا يشركون به شيئًا، لم يكن للمسلمين قط أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله عز وجل، بل كان المشركون في جاهليتهم يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله، أفَتَرَاهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إلا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ قال تعالى: والنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ استسقي لأصحابه بصلاة وبغير صلاة، وصلى بهم للاستسقاء، وصلاة الكسوف، وكان يقنت في صلاته فيستنصر على المشركين، وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده، وكذلك أئمة الدين ومشايخ المسلمين، ومازالوا، على هذه الطريقة. ولهذا يقال: ثلاثة أشياء مالها من أصل: [باب النصيرية]، و[منتظر الرافضة]، و [غوث الجهال]؛ فإن النصيرية تدعي في الباب الذي لهم ما هو من هذا الجنس؛ أنه الذي يقيم العالم، فذاك شخصه موجود، ولكن دعوي النصيرية فيه باطلة. وأما محمد بن الحسن المنتظر، والغوث المقيم بمكة، ونحو هذا، فإنه باطل ليس له وجود. وكذلك ما يزعمه بعضهم من أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله، ويعرفهم كلهم، ونحو هذا، فهذا باطل. فأبو بكر وعمر / ـ رضي الله عنهما ـ لم يكونا يعرفان جميع أولياء الله، ولا يمدانهم، فكيف بهؤلاء الضالين المغترين الكذابين؟! ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سيد ولد آدم إنما عرف الذين لم يكن رآهم من أمته بسيماء الوضوء، وهو الغُرَّة والتحجيل، ومن هؤلاء من أولياء الله من لا يحصيه إلا الله عز وجل. وأنبياء الله ـ الذين هو إمامهم وخطيبهم ـ لم يكن يعرف أكثرهم، بل قال الله تعالى: والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجودًا في زمن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لوجب عليه أن يؤمن به، ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة، ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى به من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم، ولم يكن مختفيًا عن خير أمة أخرجت للناس، وهو /قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم. ثم ليس للمسلمين به وأمثاله حاجة لا في دينهم ولا في دنياهم، فإن دينهم أخذوه عن الرسول النبي الأمي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي علمهم الكتاب والحمكة، وقال لهم نبيهم: (لو كان موسى حيَا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم). وعيسي ابن مريم ـ عليه السلام ـ إذا نزل من السماء إنما يحكم فيهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم. فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر وغيره؟! والنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قد أخبرهم بنزول عيسي من السماء، وحضوره مع المسلمين، وقال: (كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسي في آخرها). فإذا كان النبيان الكريمان اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل، ومحمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سيد ولد آدم، ولم يحتجبوا عن هذه الأمة، لا عَوَامِّهم ولا خَوَاصِّهم، فكيف يحتجب عنهم من ليس مثلهم؟! وإذا كان الخضر حيًا دائمًا فكيف لم يذكر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ذلك قط، ولا أخبر به أمته، ولا خلفاؤه الراشدون؟! وقول القائل: إنه نقيب الأولياء. فيقال له: من ولاه النقابة، وأفضل الأولياء أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس فيهم الخضر؟ وعامة ما يحكي في هذا الباب من الحكايات بعضها كذب، وبعضها مبني على ظن رجل؛ مثل شخص رأي رجلا ظن أنه الخضر،/وقال: إنه الخضر، كما أن الرافضة تري شخصًا تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم، أو تدعي ذلك، وروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال ـ وقد ذكر له الخضر ـ: من أحالك على غائب فما أنصفك. وما ألقي هذا على ألسنة الناس إلا الشيطان. وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع. وأما إن قصد القائل بقوله: [القطب الغوث الفرد الجامع] أنه رجل يكون أفضل أهل زمانه فهذا ممكن، لكن من الممكن ـ أيضًا ـ أن يكون في الزمان اثنان متساويان في الفضل، وثلاثة وأربعة، ولا يجزم بألا يكون في كل زمان أفضل الناس إلا واحدًا، وقد تكون جماعة بعضهم أفضل من بعض من وجه دون وجه، وتلك الوجوه إما متقاربة وإما متساوية. ثم إذا كان في الزمان رجل هو أفضل أهل الزمان فتسميته بـ [القطب الغوث الجامع] بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تكلم بهذا أحد من سلف الأمة وأئمتها، وما زال السلف يظنون في بعض الناس أنه أفضل أو من أفضل أهل زمانه ولا يطلقون عليه هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، لا سيما أن من المنتحلين لهذا الاسم من يدعي أن أول الأقطاب هو الحسن بن على بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ ثم يتسلل الأمر إلى ما دونه إلى بعض مشايخ /المتأخرين، وهذا لا يصح لا على مذهب أهل السنة، ولا على مذهب الرافضة. فأين أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟! والحسن عند وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان قد قارب سن التمييز والاحتلام. وقد حكي عن بعض الأكابر من الشيوخ المنتحلين لهذا: أن [القطب الفرد الغوث الجامع] ينطبق علمه على علم الله تعالى، وقدرته على قدرة الله تعالى، فيعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ما يقدر عليه الله. وزعم أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان كذلك، وأن هذا انتقل عنه إلى الحسن، وتسلسل إلى شيخه. فبنت أن هذا كفر صريح، وجهل قبيح، وأن دعوي هذا في رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كفر، دع ما سواه، وقد قال الله تعالى: والله ـ سبحانه وتعالى ـ أمرنا أن نطيع رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال: وقد بين في كتابه حقوقه التي لا تصلح إلا له وحقوق رسله وحقوق المؤمنين بعضهم على بعض، كما بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وذلك مثل قوله تعالى:
|